Get Mystery Box with random crypto!

إن الناظر في طريقة تعاطي النسويين والنسويات في الأوساط المسلمة | السبيل

إن الناظر في طريقة تعاطي النسويين والنسويات في الأوساط المسلمة مع محتوى تراثنا يلاحظ بوضوح كمية الانتقائية التي يمارسونها لتسويغ توجهاتهم وأسلمتها، فهم لا يحكون إلا أجزاء من القصة، ولا يأتون إلا بالأمثلة التي تخدم أهدافهم وإن أشبهت الاستثناء في سياقاتها، ثم يحاولون جعلها حالات عامة ينبغي الاقتداء بها.

فقد جعلوا السيدة خديجة “CEO” أو مديرة شركتها الضخمة بغض النظر عن بقية مكونات شخصيتها وأحداث حياتها وقلة مثيلاتها في نساء زمانها، ثم جعلوا هذه الصورة غير الدقيقة والمقتطعة من حياتها نموذجاً ينبغي على الفتاة السعي لبلوغه وإلا كانت فاشلة واقعة تحت سلطة الذكور الظالمة التي تحتاج لفعل المستحيل والتضحية برغباتها الحقيقية للخروج عنها، وبنفس الطريقة يتم الحديث بإفراط عن الصحابيات اللواتي دخلن ساحات الجهاد في أوقات الاضطرار لا للثناء على فعلهن واستخراج الفوائد من سيرهن، وإنما للقول بأن هذا الفعل الذي يحقق قيمة المساواة الدارجة اليوم هو العمل الخيّر الذي ينبغي على المسلمات في كل زمان ومكان اتباعه.

فحين يذكرون أم عمارة رضي الله عنها وجهادها في غزوة أحد – على سبيل المثال – لا يقولون بأنها حالة خاصة ونادرة بين الصحابيات، ولا يقولون بأن خروجها ذاك كان في وقت حرجٍ تهدد فيه أمة الإسلام والمسلمين، بل يجعلونها سابقة لزمانها لأنها وقفت بين الرجال ونالت شرف القتال بينهم، بينما هدفها كان الدفاع عن أمتها ونبيها، وبينما الصورة الغالبة لخروج النساء للغزوات كانت بأن يقمن على تضميد الجراح وإعانة الجيش من ورائه بالماء والغذاء.

والواقع أن ما تقوم به الخطابات #النسوية_الإسلامية هو إسقاطٌ لأفكار مستحدثة على الشخصيات التاريخية وإخراج للأحداث من سياقها وتحليل لمجرياتها وفق ما تراه المنظومات العلمانية خيراً وشراً وهدفاً ونجاحاً و فشلاً، بينما الشخصيات التي نتحدث عنها عاشت لقيمٍ مختلفة وعملت لأسباب مغايرة لما تريد الخطابات الحديثة إلباسها له، فالصحابيات رضوان الله عليهن علمن تماماً لماذا يعشن وإلى أين يمضين، فلم يكن سؤالهنّ إن سألن عن أعمالهن أو قارنّ نفوسهن بالرجال بحثاً عن المساواة أو الأهواء التي باتت رائجة اليوم، إنما سعياً لرضى الله ونيل الدرجات العلا عنده وتحصيل ثوابه، وهذا ما نلمسه في كلام أسماء بنت يزيد رضي الله عنها إذ أتت النبي صلى الله عليه وهو بين أصحابه فقالت: (بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي -لك الفداء- أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أموالكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟

فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مُساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله. فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً). [أخرجه البيهقي وابن منده وابن عساكر وآخرون]

ولنتوقف ملياً هنا مع ثناء النبي على خطاب الصحابية الجليلة، ومع انصرافها نهايةً وهي تهلل وتكبر استبشاراً بقدرتها على نيل ذات الأجر، فسبحان الله ما أبعد مجتمعهم عما وقعنا فيه من ضلالات نريد إنزالها عليهم، وما أوضح الغايات في عيونهم إذ لم يريدوا شيئاً من شعارات فارغة ولا علواً في الأرض ولا فساداً.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "هل كانت أم المؤمنين خديجة سيدة أعمال نسوية؟" بقلم تسنيم راجح
https://bit.ly/3C7rERS