2024-06-10 18:13:57
أجل.. يحسدها!
ربما لأنه هو.. هو بكل قوته التي يعرفها عن نفسه كان عاجزاَ عن منع نفسه من النظر إليها الآن..!!
يجذب عينيه قسراَ للنظر لقلادتها محاولاً إقناع نفسه أنها السبب..
لكنهما تخونانه فتبقيان على تعلقهما بعينيها هي..
لا تزال عيناها متعبتان حمراوان من أثر البكاء والسهر والإرهاق..
لكنه لا يزال يراهما كعهدهما مغارة من كنوز!!
_أنت من طلبت زرع الأقحوان هنا؟!!
تنتزعه بها من شروده وقد وصل بهما المصعد الزجاجي لأقصى ارتفاع ممكن وتوقف هناك..
فيهز رأسه مجيباَ :
_نعم.. لستِ وحدك من تعشقين الأقحوان.. لهذا أقول لك أن هذا المكان صومعتي.. عندما توقفت تجهيزاته عند المرحلة الأخيرة جعلت لنفسي هذا الطابق الأخير.. عندما أريد الاختفاء من العالم آتي هنا.. أنتِ تذهبين لجبل العم فياض عندما تشعرين بالغضب.. ولعربة الحلوى عندما تشعرين بالانطفاء.. لكنني آتي هنا عندما أريد أن أتجدد..أن أتنفس.. أن أنزع عن نفسي قشوراَ اضطررت لوضعها وأتذكر من أنا.. هنا.. هنا في حضن السماء وحقول الأقحوان.. هذا المصعد الزجاجي يمنحني نفس الشعور الذي شعرت أنت به.. أنني أطير.. حراَ.. دون قيود..
_ولماذا أتيت بي إلى هنا مادام هو مكان عزلتك؟!
تسأله وتتلهف الجواب..
تسأله وتخشى الجواب!!
الجواب الذي كان هو نفسه عاجزاَ عن منحه الآن وهو يترك لنفسه عفوية الرد :
_طوال هذه السنوات وأنا أسعى ألا أجيب أي سؤال ب(لا أعرف).. أراوغ وأناور كي لا أقولها أبداَ.. قد يدعونها غروراَ او غطرسة.. لكنني وحدي أدرك أنها دلالة ضعف أخفيه.. ذبحتني (لا أعرف) مرة وجعلتني أخاف كل (لا أعرف) بعدها..
كان الكلام يسري من قلبه لقلبها دون حواجز لتجد نفسها تضغط كفه المعانق لكفها دون وعي كأنها تدعمه..
تدرك أنه يتحدث عن حواء..
كل أحاديثه تتمركز حولها كأنها محور كونه كله!
لا تدري.. هل تحسدها لأنها سبقتها لقلب رجل مثله..
أم تشكرها لأنها لولا أثر قلادتها لما وجدت هي مكاناَ لموضع قدم في حياته؟!!
بينما يردف هو أخيراً وهو يرفع وجهه نحو السماء عبر واجهة المصعد الزجاجية :
_لكنني لا أجد غيرها الآن جواباَ لسؤالك.. لن اراوغ ولن أناور.. أنا.. أنا لا اعرف.
هنا تجد نفسها تخفي قلادتها عمداَ بين طيات حجابها كأنها تريد أن تستمتع بتصديق أن هذا الاستثناء لها وحدها..
هو يفعلها لأنها ناي.. ناي فحسب..
ليست صورة لأحد آخر!
ولم تكد تطمئن لهذا حتى انسابت كلماتها دافئة حرة قوية تشبهها :
_ربما أردتَ أن تريني هذه النسخة منك.. النسخة الأضعف.. الأكثر هشاشة ورقّة.. هنا أنت لست إلياس القوي العمليّ المسيطر.. ولا الغاضب الجموح المنفعل.. هنا تعود لأصدق وأهون بقعة في أعماقك.. وربما لأنك منذ قليل رأيتني أنا الأخرى في أضعف حالاتي.. جئت بي حيث يمكنني أن ألتقط أنفاسي وأنزع قشوري.. تماماَ كما تفعل أنت هنا..
تتلون شفتاه بابتسامة واهنة وهو يجد نفسه هدفاَ لسهام حدقتيها:
_كنت أظن أن لا أحد سيفهمني بعد يحيى.. لكنك تفعلين.
صبغة ابتسامته تنتقل لشفتيها.. وتتحول لضحكة قصيرة بينما تشرد في المنظر الخلاب أمامها :
_جدي كان يمازحني بقوله أني (سوسة)! لا أعرف من أين أتى بهذا اللفظ.. أظنه من مسلسل مصري كان يتابعه.. تعني لديهم شدة الذكاء مع التخفي و بعض المكر.. يالله!.. افتقدت سماعها منه.. ما أظنني أحببت مدحي من أحد قدر ما أحببت مدحي منه..
ثم تلتفت نحوه مردفة:
_والآن.. منك.
ابتسامته..
ضغطة كفه لكفها..
لمعة عينيه التي تزيدها أشعة الشمس فتكاَ..
اختلاجة عضلة فكه الفاضحة لانفعال يكتمه..
لو كانت هذه فقط أسلحته فأي قلعة تبنيها في صدرها تكفي كي تحميها غزو عشقه؟!!
قلبها يترنح حد الثمالة وهو يتخبط بين جنبات صدرها..
وجنتاها شديدتا السخونة تشعر أنهما تحترقان..
أنفاسها تتلاحق بسرعة.. ولأول مرة لا يخيفها تلاحقها..
كل نفَس لها معه يستحق أن يطارده صدرها بكل ما تملك!
كل شيء داخلها صار خارج السيطرة حتى كلماتها الآن تغادر شفتيها عفوية دون تخطيط :
_جعلتني أعدك الا اذهب لجبل العم فياض دونك.. لن استطيع ان أفعل مثلك واطلب منك وعدا كهذا هنا..لكنني سأطلب منك ان تتذكرني كل ما جئت الي هنا حتى لو كنت خرجت من حياتك.. يكفيني هذا فقط.
يهيأ إليها أن لمعة عينيه تنطفئ مع عبارتها الأخيرة لكنها لم تستطع منع نفسها من قولها وعبارات صديقتها التي قالتها لها في الصباح تبذر التشاؤم في صدرها..
_تذكّرني كزهرة اقحوان من هؤلاء.. سقطت من غصنها ولم تعرف كيف يمكنها ان تعود.. أو كطائر كهذا الذي يطير هناك.. هدموا له عشه ويوقن أنه مهما حلّق لن يجد ما يشبهه.. أو حتى كسحابة بيضاء كهذه تسير هائمة ولا تعرف ما يخبئه لها قدرها..
4.7K views15:13