2023-04-28 21:18:41
قال المتنبي معاتبا سيف الدولة:
::
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
::
مالي أُكَتِّمُ حُبًّا قَد بَرى جَسَدي
وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ
::
إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
::
قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَةٌ
وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ
::
فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ
وَكانَ أَحسَنَ ما في الأَحسَنِ الشِيَمُ
::
فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ
في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
::
قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت
لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصنَعُ البُهَمُ
::
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئًا لَيسَ يَلزَمُها
ألا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
::
أَكُلَّما رُمتَ جَيشًا فَاِنثَنى هَرَبًا
تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ
::
عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ
وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا
::
أَما تَرى ظَفَرًا حُلوًا سِوى ظَفَرٍ
تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ
::
يا أَعدَلَ الناسِ إِلا في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
::
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً
أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
::
وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ
إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
::
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي
وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
::
أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها
وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
::
وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي
حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
::
إِذا نَظَرتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ مُبتَسِمُ
::
وَمُهجَةٍ مُهجَتي مِن هَمِّ صاحِبِها
أَدرَكتُها بِجَوادٍ ظَهرُهُ حَرَمُ
::
رِجلاهُ في الرَكضِ رِجلٌ وَاليَدانِ يَدٌ
وَفِعلُهُ ما تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
::
وَمُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ
حَتّى ضَرَبتُ وَمَوجُ المَوتِ يَلتَطِمُ
::
فَالخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني
وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ
::
صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنفَرِدًا
حَتّى تَعَجَّبَ مِنّي القورُ وَالأَكَمُ
::
يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُمْ
وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
::
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ
لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ
::
إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا
فَما لِجُرحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ
::
وَبَينَنا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعرِفَةٌ
إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهى ذِمَمُ
::
كَم تَطلُبونَ لَنا عَيبًا فَيُعجِزُكُمْ
وَيَكرَهُ اللَهُ ما تَأتونَ وَالكَرَمُ
::
ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي
أَنا الثُرَيّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرَمُ
::
لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقُهُ
يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عِندَهُ الدِّيَمُ
::
أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ
لا تَستَقِلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
::
لَئِن تَرَكنَ ضُمَيرًا عَن مَيامِنِنا
لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ
::
إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا
ألا تُفارِقَهُمْ فَالراحِلونَ هُمُ
::
شَرُّ البِلادِ بلادٌ لا صَديقَ بِهِا
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ
::
وَشَرُّ ما قَنَصَتهُ راحَتي قَنَصٌ
شُهبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ وَالرَّخَمُ
::
بِأَيِّ لَفظٍ تَقولُ الشِعرَ زِعنِفَةٌ
تَجوزُ عِندَكَ لا عُربٌ وَلا عَجَمُ
::
هَذا عِتابُكَ إِلا أَنَّهُ مِقَةٌ
قَد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلا أَنَّهُ كَلِمُ
::
2.5K viewsأدب, 18:18