2022-05-18 00:57:12
بسم الله الرحمن الرحيم
الرد الوافي على د. القرة داغيقال تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)
كتب د. القرة داغي فتوى حول استعمال لفظ الشهيد وطلب الرحمة لغير المسلمين.
ورأيي أن محصلة هذه الفتوى وأمثالها من فتاوى هذا الخط وتلك المدرسة؛ إنما هو إسقاط حقائق الدين في نفوس المسلمين، ومهما كثرت فيها التوضيحات التي أراد أصحابها أن تبدو علمية فكم من المسلمين سيفهمها، ومن سبق الدكتور القرة داغي بها، وهي في حقيقتها دين جديد يتولى كبره من يقول به ومن يروج له.
وقد طار بها من لم يستدلوا بفتوى يوماً ولا هم يحترمون الفتاوى ولا أصحابها أصلاً، ولا يفهمون التأصيلات العلمية ولا أدلتها أو استدلالتها؛ من غلمان العلمانية ودعاة الليبرالية، وبعض البسطاء والعوام، وبعض الطيبين الذين يرون فيها "تحسيناً" لصورة دينهم الذي ظنوه محتاجاً إلى ذلك.
وردي على هذه الفتوى يتلخص فيما يلي:
أولاً: ملحوظات شكليةالدكتور القرة داغي لم ينقل قولاً واحداً للعلماء في جواز الاستغفار أو الترحم أو إطلاق لفظ الشهادة على غير المسلم، ولم يذكر من أقوال أهل العلم سوى ثلاثة أقوال لا علاقة لها بتلك النتائج التي خلص إليها من رأسه هو!
١- فقد نقل عن الإمام السيوطي تعداد الشهداء في كتابه أبواب السعادة، ونسي أن يبين أن هذه الأصناف تنحصر فيمن يحسبون من شهداء الملة الإسلامية فقط، بدليل حديث مسلم الذي استدل به: (إن شهداء أمتي إذاً لقليل) ثم عدد ﷺ بعض أصناف أولئك الشهداء "من أمته" هو ﷺ؛ لا من النصارى -الذي يبدو أنه يقصدهم- ولا اليهود ولا البوذيين ولا الهندوس أو غيرهم من ملل الكفر الذين سيشملهم كلامه بالضرورة!
فكيف يستدل د. القرة داغي بما خصصه رسول الله ﷺ على ما عممه هو في ملل الكفر قاطبة، هذا لعمر الله شر ما سمعت به أذن أو رأت عينان!
وقد ذكرها د. القرة في معرض تسويغه إطلاق لفظ شهيد على الكافر، وان حاول ضبطها بتفضيل تقييد معنى الشهادة بالوطن او القضية ونحوها، ولكنه لم يمانع الإطلاق وهذا لا يسلم له مطلقاً ولا مقيداً لأن الأمور بمآلاتها عند الناس كما سنبينه.
٢- كما نقل د. القرة داغي عن الإمام البيهقي أن العمل الصالح ينفع غير المسلم وهذا لا خلاف فيه ولا علاقة له بترحم ولا استغفار ولا شهادة.
هذا ما استدل به من أقوال أهل العلم فقط ولا علاقة له بأي مما قفز إليه في تقريراته!
٣- وذكر تقسيم الإمام النووي لأنواع الشهداء، شهيد الدنيا وشهيد الآخرة وشهيد الدنيا والآخرة.
هذا ما استدل به من أقوال أهل العلم فقط ولا علاقة له بأي مما قفز إليه في تقريراته.
كما نقل بعض معاني لغوية من القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط، وبعض تخريجات لأحاديث وهذا قد يحسنه اليوم أي أحد وفي دقائق معدودة مع توفر شبكة الإنترنت والتطبيقات المتخصصة.
فالدكتور القرة داغي كتب كلاماً كثيراً حاول فيه تذويب معنى الشهادة الأصلي ضمن معاني كثيرة جداً -تخص المسلمين- لا غيرهم.
ثانياً: النقاش الموضوعيومن أعجب ما فعل الدكتور القرة داغي؛ هو تحكيم المعاني اللغوية المتعددة للفظ الشهادة على الاصطلاح الشرعي، والذي لا يخرج عن معنيين كما قال العلماء، يشملان كل ما ذكره من معاني.
"وإنه من عجيب كلام الفقهاء أن المصطلح يكون له من المعاني اللغوية ما يزيد على العشرة، ثمَّ يؤتى بالمعنى الاصطلاحي فتجد له صلة و مساسا بكل معنى من هذه المعاني اللغوية، فكل معنى من المعاني اللغوية يصلح أن يكون وثيق الصلة بالمعنى الاصطلاحي".
يراجع معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية؛ د. محمود عبد الرحمن، الجزء الأول ص ٨
ومن ذلك مصطلح الاستشهاد والشهادة؛ فهو لغة: طلب الشهادة من الشهود، فيقال: استشهده إذا سأله تحمل أو أداء الشهادة، قال تعالى:. وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ. [سورة البقرة، الآية ٢٨٢]، و استعمل في القتل في سبيل اللّه، فيقال: استشهد: قتل في سبيل اللّه.
قال في «الطلبة»: و الاستشهاد أيضا طلب الشهادة و سؤالها، قال ﷺ في القرن الذي يفشو فيهم الكذب: «حتى إن أحدهم ليشهد قبل أن يستشهد».
[أحمد (١/ ٢٦)] و في اصطلاح الفقهاء لا يخرج استعمالهم عن هذين المعنيين اللغويين.
و يستعمل الفقهاء في الغالب لفظة إشهاد و يراد بها الاستشهاد على حق من الحقوق.
«النهاية ٢/ ٥١٤، و طلبة الطلبة ص ٢٧٥، و الموسوعة الفقهية ٣/ ٣٢٠».
وكأن الدكتور داغي يكثر من حشد أنواع الشهداء، ومعاني لفظة الشهادة فقط لتذويب المصطلح الشرعي ودلالته المعنوية، والخلوص إلى نسبته للكافر بزعم دلالته اللفظية، وهذا من أشنع الاستدلالات لمن شم رائحة الأصول فضلاً عمن يرون أنفسهم أو يراهم البعض "مدرسة مقاصدية"!
فهو هنا يفكك المصطلح المحكم كما أراده الشارع واستقر في الأمة علماءها وعامتها كابراً عن كابر، وبكافة فرقها ومذاهبها؛ لصالح أصول مرادفاته اللغوية، وكأنه لا شرع أُحكِمَ ولا قرآنُ نزل!
يتبع إن شاء الله https://t.me/Dorrkhaledsaeed
147 viewsedited 21:57