2022-05-13 11:50:17
قوم أخذهم الحلم وآخرون جذبهم العلمالمقابلة ليست بين قلوب رقيقة وأخرى غليظة، وإن كان بعضها كذلك وبعضها حوالك، وإنما المقابلة في أصلها بين فريقين من المحبين لدينهم، وكلاهما مؤمن به حريص عليه.
المقابلة بين فريق يرى دينه حباً كله وعدلاً كله ورحمةً كله ويريد أن يسمو به "ويظهر" كل مفاتنه تلك للعالمين، ويرى ما حدث من إراقة البراءة والأنوثة المهيضة؛ هو محل كل تلك المشاعر وطاقة إشراق كل ذلك النور.
وفريق يرى أن يحفظ جناب الله، ويعلي مقام رسول الله ﷺ، فلا يريد الانجراف مع تلك المشاعر وإن كانت جميلة تستهوي النفوس وهي من حقائق الدين، إلا أنهم يريدون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ويريدون "إظهاره" على الدين كله -تماماً كما الآخرين- فيتأبون الترحم على من قال: فلا الله أرسل ولا القرآن نزل!
المقابلة بين دمعة تتردد في عين النبي ﷺ تطفئ الحريق، وحزن في قلبه عميق؛ شفقة على حبيب يموت على الكفر، وبين لزومه لأوامر الله وتعظيم مقامه في قلبه وقوله وفعله.
هي مقابلة بين من رق قلبه لإراقة دماء امرأة ضعيفة على أرض بلادها، والله أعلم بما تستبطنه ملامحها العتيقة الحزينة من آلام ومآسي، وما كانت تحمله من آمال وأحلام، وهو أعلم بذكرياتها وما خلفها من أحباب، كل ذلك تم ذبحه في غمضة عين، نعم يحدث ذلك هناك كل يوم؛ ألم أقل لكم أنها كل نساء فلسطين.
وهناك وفي المقابل ترى ذلك المهيب الجميل -وهو الذي يتنزل إليه الوحي من السماء- محزوناً مغاضباً لامرأة مقتولة في الحرب ليقول: (ما كانت هذه لتقاتل)!
وأما الطرف الآخر للمقابلة فهو من وجل قلبه من تكذيب من لم يؤمن بذلك الرجل ﷺ، "وكذب" ما جاء به ويالها من فرية، وإن كان ربما وقر في قلبه تصديقه وحبه يوماً لكنه لم يكن ذكياً بما يكفي ليقول له: آمنت بك يا حبيبي وبإلهك العظيم وما جئت به من البينات والهدى!
المقابلة هنا بين البشرية ومقتضيات الإنسانية التي فطر الله جنس الإنسان عليها، فإن جاوزها وصف بأنه من جنس الأنعام أو الشياطين، وبين لوازم العبودية التي تلزم العبد بالانطراح بين يدي سيده ومولاه، فليس بينهما إلا شرف نسبة الرب العبد إليه، ومن تعداها فكأنما اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم.
امرأة وهبها الله أموراً مقدرة فقد جعل رزقها في مهنة قد تشق على الرجال، لكنها تدخلها كل يوم كل بيت من غير تهوك ولا امتهان، كما تحمل دائماً في جعبتها قضيتها.
امرأة رغم طيبتها الظاهرة إلا أنها تحمل حزن الدنيا وهمومها لعله لما ترى من بؤس أهلها، وعنادها بادٍ في مواجهاتها الهادئة والصلبة مع مضايقات شهود يهوه أو شهود الزور وأعداء الإنسانية في كثير من اللقطات، كأنها بتلك الصفات تكاد تلخص كل نساء فلسطين.
وهي وإن كانت تحمل ملامح بنات بلادها، وقد يزينها ما يزين النساء ويعجب الرجال، لكن ذلك لا يكاد يذكر لا من هؤلاء ولا أولئك -وهذا في حق النساء قليل- وإنما تُذكر كلماتها ووقفتها الدائمة أمام ذلك المسجد القصي البهي بقبتيه الصفراء والزرقاء تشعان كأنهما لؤلؤتان.
ومرة أخرى ترى ذلك الرجل الجميل واقفاً هناك ومازال موطئ قدمه مركوزاً في صخورها البيضاء، ونور وجهه مشرق هناك، وأثر دابته عند منتهى البصر، وأبواب السماء التي عرج منها إليها وكأنها مازالت مفتحة لتشهد على أحداث النهاية كما كانت البداية.
تراه واقفاً مقطب الجبين فهو الذي أخرج أجداد هؤلاء أول مرة من داره المنورة وأعادهم لأرض التيه والشتات لتعرضهم "لامرأة"، وهو الذي أنفذ فيهم حكم الملك من فوق سبع سموات -وهو حكم التوارة- في بني قريظة، وهو الذي سلط عليهم حيدرة بني هاشم ليسقط باب خيبر ويركز رايته هناك في عقر دارهم.
لكن تأخذه الغيرة لمقام القدوس " إذ هو قائم في القدس"؛ أن يُعبد فيها غير الله، أو أن يُكَذَبَ فيها رسله وما جاءوا به من النور، أو أن تعلو النواقيس والصلبان على تراتيل القرآن!
https://t.me/Dorrkhaledsaeed
355 viewsedited 08:50