2022-11-03 14:00:00
#تحمل_المسؤولية_والاستقلالية_أهم_مؤشرات_الولائية | (المحاضرة2) القسم التاسع
حتّى من أجل هدايتنا الله لا يخاطبنا أبدًا بطريقة تسلُبُنا استقلاليّتنا
كيف صانَ الإمام الحسين(ع) استقلاليّة أصحابه؟ بأن طلب إليهم الرحيل حتى يكون الدافعُ لبقاء مَن بقي هو قراره الشخصيّ
حتّى من أجل هدايتنا الله لا يخاطبنا أبدًا بطريقة تسلبنا استقلاليّتنا. ولهذا السبب تحديدًا قد لا يحبّ معظمُكم القرآنَ الكريم، بل إنّ القرآن لا يجعل أحدًا يحبّه بهذه البساطة! تقرأ منه قليلًا فيثيرُ مَلَلك فيقول: "اغرُبْ عن وجهي! أفهل أنا رواية وأريد أن أُلهيك وحسب؟! أو أريد أن أخدعك فأصوغ عباراتي بحيث تقرأها إلى النهاية ولا تتركها!
إنّك إنْ لم تُجتذَب إلى القرآن فهذه خطّة الله تعالى، فلا تظُنّ أنّ الله لم يقدر على اجتذابك أكثر من هذا، أو تتخيّل أنّك إنسان سيّئ، إنّها أساسًا خطّة الله! وما معنى الاجتذاب؟ عن الإمام الصادق(ع) أنّه قال: «يا مَعشَرَ الأَحداثِ اتَّقوا اللهَ وَلا تَأتُوا الرُّؤَساءَ وَغَيرَهُم حَتَّى يَصيروا أَذنابًا، لا تَتَّخِذوا الرِّجالَ وَلائِجَ مِن دونِ الله» (وسائل الشيعة/ ج27/ ص133)؛ إنّه(ع) يطالب الشباب أن: لا تقصدوا الرؤساء أو هذا وذاك من الناس، دعوهم وشأنهم. لماذا تقصدون كلّ مَنْ هبَّ ودَبّ؟ استقلّوا بأنفسكم، قِفوا أنتم على أرجلكم. لاحظوا كم يؤكّد الإمام الصادق(ع) على ضرورة أن يكون الناس، ولا سيّما الشباب، طالبي استقلاليّة.
ثم يضيف(ع) في ما روي عنه: «لا تَتَّخِذوا الرِّجالَ وَلائِجَ»؛ أي لا تقعوا تحت نفوذ أحد ما. والوليجة مذكورة في القرآن الكريم أيضًا في قوله تعالى: «وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنينَ وَليجَةً» (التوبة/ الآية16)؛ وهي تقال لصاحب النفوذ والسطوة على غيره. فإنّ الله ينزعج من أن يسيطر عليك أحد، فيخاطبك بأنّه: لماذا يسيطر عليك فلان؟! لماذا توافقه في كلّ ما يقول؟! كُن أنت!
يروَى أنّ الإمام موسى الكاظم(ع) قال لأحد أصحابه: «لا تَكونَنَّ إِمَّعَةً. قُلتُ: وَما الإِمَّعَةُ؟ قالَ: تَقُولُ: أَنا مَعَ النّاسِ وَأَنا كَواحِدٍ مِنَ النّاس» (الاختصاص/ ص343)؛ أي: كيفما كان الناس أكون! كلا، لا تكن كواحد من الناس.. لماذا تكون واحدًا من الناس؟ كن مختلفًا. ما معنى هذا؟ هذا معناه الاستقلاليّة.
ومن الواضح أنّه لا بدّ من الاستقلاليّة عن غير الله تعالى، ونحن جميعًا نعرف هذا، لكنّ القضيّة هي أنّه: كيف يحترم الله تعالى استقلاليّتك في صُلب عمليّة العبوديّة؟ ما هي خطّة الله عزّ وجلّ لتتمكّن أنت من حفظ عزّتك واستقلاليّتك؟ الحال المعنويّة الطيّبة هي أن لا تكون ذليلًا لأحد أو لشيء قطّ، وأن لا تتأثّر بأحد. هي أن تستمتع أنت باستقلاليّتك، وأن يُثني عليك الله جلّ شأنه لهذه الاستقلاليّة.
لاحظوا كيف صانَ الإمام الحسين(ع) استقلاليّة أصحابه؟ صانَه بأنْ طلب إليهم الرحيل، كي يفهموا هم بأنّه لا ينبغي لهم الرحيل. هكذا حفظ(ع) استقلاليّتهم. وستبقى ليلة عاشوراء إلى يوم القيامة المعيار لتعيين أشدّ حقائق الدين أصالةً! لقد قال لهم الإمام(ع): "اذهبوا". لكن كان من الممكن أن يقرّروا الذهاب فعلًا! أجل، لقد طلب الرحيل حتى من العباس(س)!
لقد قال الإمام(ع): "اذهب"، لكي يكون دافعك، إذا قرّرتَ البقاء، هو قرارَك الشخصيّ أنت. هذا هو ديننا. إذن فما بال الأمور التي يأمر بها أمرًا؟ إنّه تعالى يفرض الصلاة فرضًا؛ صباحًا، ظهرًا، مساءً، ...إلخ. الله لا يريد أن يستعبدك، ليست هذه سوى الطرق التي تبلغ بها استقلاليّتك، بحيث إذا سكَتَ، فَهِمتَ ماذا يجب عليك صنعه، إذا قال: "ارحل"، علمتَ أنّه لا ينبغي الرحيل. إنّها السبل للوصول إلى تلك الاستقلاليّة، وإلّا فلو شاء أن ُيجبرك على ترديد الذكر كالرقيق [لم يصعب عليه ذلك]، فهو نفسه يقول في كتابه العزيز: «يُسَبِّحُ للهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرض» (الجمعة/ الآية1)؛ الكُلّ يسبّح لي، أنا لستُ بحاجة إلى مُسَبِّح. أتريد أن أَجبُلك أنت الآخر، شأنَ سائر الطيور والأنعام، على التسبيح لي؟ هذا ليس بعزيزٍ علَيَّ أبدًا. فلا يكون لتسبيحك عندي قيمة إلّا حين أزعجك لكي لا تتوجّه إليَّ لتسبيحي، فتتوجّه إليَّ وتسبّحني على الرغم من ذلك.
سماحة الشيخ بناهيان
طهران ــ كلية الإمام علي(ع) الحربية ــ موكب "ميثاق با شهدا" (العهد مع الشهداء)
01/ محرم/1443
اقرأ النص الكامل هنا:
arabic.bayanmanavi.ir/post/1597
المحاضرة
1
@PanahianAR
1.3K views11:00